2022-05-21 22:24:04
[وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ]
الرأي السائد عند العامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن نبيا قبل البعثة،ولا يخفى ما رووه في خوف رسول الله من الوحي وما كان يعلم شأنه حتى أخبره ورقة بن نوفل ونحو ذلك من الأخبار ولذا تجد مفسريهم يقولون في تفسير قوله تعالى:[وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ] ما كان يعلم شيئا عن الكتاب والإيمان قبل البعثة مع أن النصوص الدينية تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله كان نبيا قبل البعثة بل أبعد من ذلك كما روي في ثلة منها:(نبيا وآدم بين الماء والطين) .
ولكن ما هو مورد الخلاف بيننا والعامة في:[مَا كُنْتَ تَدْرِي]؟
بداية لا بد أن يُعلم أنه يوجد بيننا موضع اتفاق وموضوع اختلاف،موضع الاتفاق (ويأتي النقاش فيه) أن رسول الله في زمان ما لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان،وموضع الاختلاف هو أن العامة يقولون علمه كان بعد البعثة ونحن لا نقول ذلك؛حيث يوجد خبر روي في بصائر الدرجات وفي أصول الكافي يقول أن رسول الله ما كان يدري حتى بعث الله إليه الروح.ومتى بعث إليه الروح لم يبين الخبر وإن كان قد يبدو لحن الخبر يشر لما قبل البعثة.
وتوجد هنا حيثية أخرى أن رسول الله ما كان يعلم الكتاب والإيمان من تلقاء نفسه وليس من شأنه ذلك.وبعبارة أخرى:[مَا كُنْتَ تَدْرِي] أي ما كنت تدري من دوننا وإنما بالله عز وجل:[وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ] نظير قوله تعالى:[وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا] أي ليس من شأننا أن نعذب من غير أن نبعث رسولا،فلا دلالة لكان هنا على الزمان،واستعمالات كان مجردة عن الزمان في القرآن الكريم كثيرة جدا كما لا يخفى.
وأيضا كما روي في الأثر : (اتق الله حيثما كنت) بمعنى:وُجِدْتَ
وكما لو قلت لشخص عمل فعلا غير صحيح : ما كان يناسب هذا الفعل.مجردة عن الزمان؛فأنت لا تقصد يناسبه الآن ولا يناسبه في الزمن السابق وإنما تقصد ليس لك إيجاده .
والكلام مرتبط بـ (كان) التامة والناقصة لمن أراد المراجعة.
فإذا كان المراد من الآية بيان المدد الإلهي في المعرفة وأن الرسول الأكرم ليس له أن يعلم من نفسه يكون الكلام في الآية عن الزمان في شعبة أخرى غير شعب التفسير والمعنى المراد من الآية.
وعلى هذا إذا سلمنا الخبر مجمل ــ من حيث بيان زمان العلم أكان بعد البعثة أو قبلها ــ ولم يشر إلى بيان زمان علم النبي نرجع حينها إلى الأحاديث الكثيرة المروية في علم النبي والإمام في بحار الأنوار مثل الجزء السادس والعشرين المروي شطرا منها في (بصائر الدرجات) و (أصول الكافي) أو نرجع مباشرة لمصادر البحار المعتبرة مثل الكتابين المذكورين وغيرهما حتى نعرف هل كان رسول الله قبل البعثة لا يعرف شيئا عن الكتاب والإيمان أو لا؟ فإذا كان لا يعلم شيئا قبل البعثة نتفق حينها مع العامة وإذا كان يعلم قبل البعثة يكون حينها من موارد الخلاف.وبما أن الأحاديث أشارت إلى علمه قبل البعثة بل إلى أبعد من ذلك ولا غرابة في البين بعد ما كان النبي عيسى عليه السلام نبيا وهو في المهد ولا نريد الكلام إلى أبعد من ذلك ـــ كالأحاديث المروية عند الفريقين نبيا وآدم بين الماء والطين ـــ :[قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا]إذن نحن نختلف مع العامة في تفسير الآية.وحاولت التبسيط والكتابة بهذه الكيفية حتى يتضح أين موضع الكلام والنقاش في الآية المباركة لمن لا يعرف عن ذلك شيئا ويقحم نفسه في ميدان يصرعُ نفسه فيه.وإلى هنا لم ينته الكلام ولكن دعوني أنقل لكم الخبر المروي في البصائر والكافي ثم نواصل:
عن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العلم ، أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤنه.فتعلمون منه ؟ قال:الأمر أعظم من ذلك وأوجب ، أما سمعت قول الله عز وجل:[[وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ]] ثم قال:أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية،أيقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ؟ فقلت:لا أدري - جعلت فداك - ما يقولون،فقال (لي):بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في الكتاب،فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم،وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء،فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم .
وفي خضم الأقوال والنقاش في الآية المباركة خرج علينا الصوفي أبو القاسم القشيري (ت:465هـ) صاحب الرسالة القشيرية المعروفة في التصوف يقول في تفسيره عن :[مَا كُنْتَ تَدْرِي]:(أي تفصيل هذه الشرائع) مما يعني قبل البعثة كان علم رسول الله علما إجماليا وبعد البعثة كان تفصيلا من غير ذكر الدليل والمستند عليه وكأنه مشكورا ! أراد إيجاد حلا تبرعيا يخفف من وطأة النقاش ويصلح ما بين
120 views19:24