2022-04-27 23:39:50
رؤى الباحث علي المؤمن
في عصرنة الفكر الإسلامي
بقلم: بهاء حداد
في غمرة التحديات التي تواجه الشعوب الإسلامية؛ لا يزال البحث في إشكالية تجديد الفكر الإسلامي يستأنف ويعاد إنتاج وترتيب المقولات المتحركة في دائرته، سعياً لاستيعاب أكمل للإشكاليات، يأخذ في الاعتبار المتغيرات المتسارعة على مختلف أصعد. وعلى الرغم من التراكم المعرفي الملاحظ في هذا المجال، إلا أن جملة من الأسئلة ظلت دون إجابات كافية تقدم رؤية ومشروعاً، وعلاجاً واقعياً يستوعب الجانب الموضوعي ويحافظ على المضامين المحددات الدينية والشرعية في الوقت نفسه، مما ساهم فيه عوامل متعددة، على رأسها تباين مناهج الدراسة وآفاقها ومنطلقاتها، الأمر الذي يلزم الباحث الإسلامي بمواصلة الجهد المسؤول والملتزم، لبناء الوعي في سياق التعامل مع الأزمات والتحديات وملاحقه معوقات التجديد في الروية والموقف الإسلامي، سعياً إلى تخليص بنانا الفكرية من عناصر تأزمها، وهو ما يحتاج إلى معالجات صريحة وجريئة تتجاوز النمط الثابت من التفكير وتقدم معايير علمية للأصالة.
تمثل محاولة الباحث علي المؤمن في كتابه «الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر» خطوه في هذا الطريق، سعت إلى الاقتراب من بعض الإشكاليات الفكرية والملحة، وقدّمت إزاءها جملة من المعالجات، يمكن استعراض جانب منه، لما انطوت عليه من إثارات مهمة وتصورات تتدخل في تكون منهج التعامل مع قضايانا الراهنة.
*الحرية الفكرية:
يقتصر المؤلف الأستاذ علي المؤمن في إطار هذا البحث على تناول هيكل عام للإشكاليات، والتساؤلات التي يثيرها موضوع الحرية الفكرية وفق التصور الإسلامي، وهو يعتقد أن مرونة هذا الموضوع وتشعبه وندره المعالجات الفقهية والفكرية التي تتعامل بدقة مع تفاصيله، تتسبب جميعها في نشوء تلك الإشكاليات واستمرارها. وعلى الرغم من أن الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء المسلمين بحثوا هذا الموضوع في أطره العامة، إلا أن الأفكار والموجات الثقافية الجديدة التي اجتاحت المجتمعات المسلمة، سواء التي تعبّر عن صدى للأفكار الغربية أو الأفكار التي تعبّر عن إفرازات واقعية من داخل المجتمع الإسلامي، كلها فرضت بحث هذا الموضوع وفق أسس أكثر استيعاباً وواقعية.
يقرر المؤلف في إطار تحديده لمنشإ الحرية الفكرية، أن الإسلام يمنح الحرية لأتباعه على أساس العبودية لله (تعالى) والتي تعني تحرير العقل الإنساني من قيد العبودية للنفس والشهوات والأفكار المدجنة والأصنام الفكرية. ويخلص علي المؤمن إلى القول بأن الحرية الفكرية الهادفة التي يدعو لها العقل وتمنح الجميع حقوقهم في العيش بأمان وتكافؤ، هي الحرية التي يتبناها الإسلام على خلاف الحرية الفكرية ذات الأهداف الفوضوية.
ويحاول الكاتب استقاء حدود وطبيعة الحرية الفكرية من نصوص القرآن الكريم، حيث يلاحظ تأكيد القرآن إرادة الإنسان الحرة في اختيار الفكر والعقيدة «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، تلك الآيات التي تقرر الحرية، غير أنها في الوقت نفسه لا تنفي المسؤولية الفكرية بالطبع. ووفق هذا المنهج يعالج المؤلف قضايا من قبيل: حرية التعبير، احترام حقوق الآخرين وحدود حرية الفكر الآخر.
* مشروع المستقبليات: دعوة لمشاركة إسلامية:
لم يعد الحديث عن المستقبل والدراسات الاستشراقية (Future studies) منذ أواسط هذا القرن نوعاً من أنواع التنبؤ والتنجيم، ولا نوعاً من الترف الفكري والعلمي، بل أصبح حاجة أساسية لاستمرار حياة الشعوب ولا سيما بعد تبلور الدراسات التاريخية الاجتماعية في مجال السنن وقوانين التاريخ، وظهور الأنماط الإدارية الحديثة، والفقرات العلمية والتكنولوجية الهائلة وينعكس ذلك في العدد المتزايد من المؤسسات والدوائر والمناهج العلمية والمساهمات الأكاديمي في هذا الحق على المستوى العالمي.
يعتقد المؤلف، بعد أن يقرر غياب الجهود الإسلامية الكافية في هذا المجال، بضرورة تأسيس منهج أو مناهج إسلامية لاستشراف المستقبل، تقوم على استيعاب خصوصية الرؤية الإسلامية لحركة التاريخ، والتطور، لتتوفر على سد هذا الفراغ، وصولاً إلى التخطيط لبناء المستقبل الإسلامي والمشاركة في رسم مستقبل الإنسانية.
وفي تصور الباحث علي المؤمن إن الحاجة لمساهمة إسلامية في هذا الحق من عدة أمور:
أولاً: الخصوصية النظرية، وهي حاجة ثابتة عبر الزمن تؤكدها النصوص الإسلامية وتأمر بها، كما في قوله تعالى: أعدوا لهم ما استطعتم من قوة... يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه ولتنظر نفس ما قدّمت لغد....
ثانياً: الاستجابة للسنن الإلهية التاريخية التي لها علاقة وثيقة بعملية استشراف المستقبل قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض.
721 views20:39