2023-01-11 09:01:24
"خواطرُ في التعليم (٢)"
من أهمِّ المعاني التي ينبغي على المُعلِّم أن يهتمَّ بغرسِها في نفس الطالب :
وصلُ ما بين دراسته وحياته ، بالتيقظُ لخطوط الاشتباك وضفائر التلاقي بين حوادث وأفكار حياته الدراسية ، وحوادث وأفكار حياته العامَّة .
فأكثر الطلاب يعتبرون الجامعة محطةً خارجيةً على جانب طريق حياتهم المُمتدِّ ، يخرجون إليها مُضطرين ، ويعودون منها مُسرعين ، فلا يُعطون ماجرياتها قيمتها الحقيقية ؛ لأنها ماجريات تُباشر نفوسًا صادَّةً ، وعقولاً بهموم طريق حياتها مشغولةً .
والواجب على المُعلِّم أن يُمزِّق هذه الصورة النمطية في ذهن الطالب ، وأن يُفجِّر في عقله وقلبه قنابلَ الشعور بقيمة حياته الجامعية ، وأنها ليست محطةً خارجيةً ، بل هي جزءٌ من الطريق نفسه ، من طينه وتُرابه وحصاه .
وهو يستطيع فعل ذلك بطُرُقٍ شتى ، منها :
أن يصبغ معلومته التي يُقدِّمها للطالب بصبغةٍ واقعيةٍ حيةٍ ، تنقُلها من توابيت المُذكِّرات إلى حدائق الواقع وأسواقه ، بالمثال ، والقصة ، وغيرهما .
وسواءً كان الحديثُ عن الخوارج ، أو الإيمان بالقدَر ، أو القياس ، أو البيوع ، أو سواها من المواضيع = يستطيع المُعلِّم أن يجعل محاضرته وجبةً دسمةً فخمةً ، يبنيها على نقد الواقعِ الذي يجذبُ السامعَ ، ويستطيع أن يجعلها طبقًا باردًا لا يؤكَل .
ومن الطُرُق أن يحُثَّ المُعلِّمُ طُلابه على الانتفاع بمرافق الجامعة عامَّةً ، وبالمكتبة المركزية خاصَّةً ، وينقل بعض مُحاضراته فيها إن استطاع ، ويُكلِّفهم بواجبٍ يُجبرهم على المشي بين رُفوفها إن تيسَّر لهُ = على صفةٍ يكشفُ لهم بها أنَّ في بطون الكتب أشياءُ تُهمُّهم وتُعجبُهم ، وبعضُ الحُبُّ يكونُ أولهُ إكراهًا .
ولا أزلتُ أذكر يوم كنتُ أجتمعُ مع بعض زملائي في مرحلة الثانوية في فترة الفُسحة ، أقرأ لهم بعض أبيات المُعلَّقاتِ وشرْحَها ، فيغلبهُمُ الاندهاشُ والإعجابُ - وكانوا مِن الشباب المُنصرف عن القراءة - لأنهم كما قالوا : لم يكونوا يرون الجاهلييِّن إلا في موضع من لا يُحسنُ الاحترافَ في شيءٍ من الخير أو الشرِّ ، فلما أبصروا من وجوه تصرُّف الجاهلييِّن في حياتهم ما يُشابه وجوه تصرُّفنا ، صُدِموا .
والأصل في الطالب الجامعي أنه زاهدٌ حتى يُرغَّب ، ومُعرِضٌ حتى يُدعى ، فعلى المُعلِّم أن يكون مُرغِّبًا داعيًا ، ثم لا يضرُّه إن قلَّ المُقبلون .
544 viewsedited 06:01